نوع المستند : المقالة الأصلية
المؤلف
مدرس البلاغة و النقد بکلية الآداب – جامعة حلوان
المستخلص
نقاط رئيسية
هذه الدراسة هی محاولة للانفتاح على القرآن الکریم باعتباره نصا واحدا متماسکا منسجما یؤدی وظیفة تواصلیة أساسیة ، مبعثها تحقیق عبادة التوحید وما یتعالق بها من عبادات ، حیث تستمد البنیة الدلالیة لهذا النص حضورها من خلال تشکیل بنیة مفردات خاصة .
ویندرج الحدیث عن السیـاق عبر البنیة الدلالیـة للقـرآن الکریم ، حیث لا یمکن أن یتم تحلیل نصی کامل إلا أن یجوز المستوى الدلالی، تزامنا مع مستویی الترکیب والتداول .
وعلى مستوى نصیة هذا الکتاب ، یعد الترادف – بالمعنى الضیق – لأسماء القیامة أحد أسباب الربط بین أجزاء النص القرآنی بالإحالة بین الوحدات المعجمیة ، حیث تتحول هذه الأسماء علامات ضمن مکونات النص متطابقة الإحالة ، مما یعنی تناظر النص واضطراد مضمونه .
على أن الدراسة تتحرى البحث فی دور السیاق فی نفی الترادف بین أسماء القیامة فی القرآن الکریم ، هذا الترادف، الذی ینبعث من الحقل الدلالی الواحد ، ومن دوائر الاستعمال التی تنسج حول أسماء القیامة محاولة حصرها فی قیمة واحدة عبر منظورواحد ، إذ تجعلها جمیعا أدوات الضغط والتأثیر الوجدانی القائم على استثارة نوازع المتلقی النفسیة : کالخوف والشفقة والرغبة والرهبة وغیرها من النوازع .
وإرادة النص القرآنی لهذا اللون من التأثیر أمر بدهی أولی ، ولکن قراءة النص تکشف عن إرادات أخرى عدیدة توخاها هذا النص ، دل علیها بتنوع أسماء یوم القیامة ، وتعدد صیغها الصرفیة و الصوتیة ، بحیث لم یصح أن یوضع اسم من الأسماء فی موقع الاسم الآخر ، إذ یستعمل اللفظ فی النص القرآنی بدلالة معینة لا یمکن أن یؤدیها لفظ آخر مهما کان مقاربا له فی المعنى ، وذلک فی إطار تعدد علاقات الکلمات فی اللغة العربیة ، ومنها العلاقة الصوتیة والمعنویة الدلالیة وغیر ذلک من العلاقات .
ذلک أن الألفاظ فی النظم القرآنی تتسم بدقتها المتناهیة ، و تنسجم تمام الانسجام مع السیاق الذی ترد فیه بحیث إذا حاولت أن تستبدل لفظة بلفظة أخرى غیرها ، اختل المعنى ، وانتقص التعبیر ، حیث تقع ألفاظ القرآن الکریم " ضمن الأسلوب البیانی الرائع ، ونعتقد مؤمنین أن کل لفظ فی القرآن له معنى قائم بذاته و فیه إشعاع نورانی یتضافر مع جملته " ([1]) ؛ إذ إن إعجاز القرآن فی بلاغته ، و" مرد البلاغة الکلامیة إلى الدقة فی مطابقة اللفظ للمعنى ، و إنما السبیل إلى ذلک أن یتسارع إلى الذهن جمیع ألفاظ هذه اللغة و ما یسمى مترادفاتها لینتقى منها ألصقها بالمعنى المراد و الصورة المتخیلة " ([2]).
إن اختیار اللفظ و إحلاله فی الموقع المناسب من السیاق هو أساس البلاغة والإحسان فی البیان، فإن إحدى اللفظتین قد تنفرد فی موضع ، و تزل عن مکان لا تزل عنه اللفظة الأخرى ، بل تتمکن فیه ، و تضرب بجرانها ، و تراها فی مظانها ، وتجدها غیر منازعة فی أوطانها ، و تجد أخرى لو وضعت موضعها فی محل نفار ، و مرمى شراد، و نابیة عن استقرار" ([3]).
والألفاظ هی وحدات صغرى تشکل النص ، تقودنا دراسة دلالاتها ، وخصائص استعمالها إلى الخروج بتصور واضح عن البنیة الکلیة للنص ، " و لیس ثمة ما یثیر الدهشة أو الغرابة فی هذه المکانة التی تنفرد بها الکلمات ، فهی أصغر نواقل المعنى أو أصغر الوحدات ذات المعنى فی الکلام المتصل " ([4])، حیث یمتد مفهوم السیاق لیشمل الکلمةوالکلمات المجاورة، والعبارات، والعبارات المجاورة، وصولا إلى البنیة الکاملة للنص، ومناسبة النص ومقاصده. وعلى ذلک فالسیاق هو جوهر المعنى المقصود فی أی بناء نصی ، فهو لا یلقی الضوء على الکلمة والجملة فقط و إنما على النص بأکمله ، من خلال علاقة المفردات بعضها ببعض فی أی سیاق من السیاقات المختلفة .
ومن هنا نتبین أن ثمة ما یمنع أن تحل کلمة محل أخرى فی سیاق معین فتؤدی وظیفتها اللغویة والعقلیة والعاطفیة أداء کاملا ،وإنما تحل الکلمة محل الأخرى فی إطارالمعنى المرکزی وحسب .
وعلى ذلک فالمترادفات لیست إلا أنصاف مترادفات أو أشباهها . ذات مدلولات متداخلة ، وما یظن من المترادفات إنما هو من المتباینات التی تکمن تحتها الفروق الدقیقة تبعا للأصل اللغوی .
وفی هذا الإطار تعتمد دراسة السیاق موطئا أساسیا ، ومنطلقا رئیسا ینفی إمکان وجود مترادف کامل فی اللغة ، عامة ، و فی النص القرآنی ، على وجه الخصوص ، وذلک عبر مستویات شتى ، لعل من أهمها : الصوت و الدلالة ، ذلک أن "عملیة الکلام لها جانبان : أحدهما مادی وهو الأصوات المنطوقة ، والآخر عقلی وهو المعنى المقصود" ([5])، والعلاقة متکاملة بین جانبی الصوت و الدلالة ، إذ إن بعض الدلالات تستدعی نوعا بذاته من الألفاظ ، کما أن بعض الأصوات تعبر عن نوع معین من الدلالات ، وعلى ذلک فالصوت یتعلق بالمعنى لأن القوة التعبیریة للکلمة لا تتأتى من معناهـا وحـده بـل من طبیعة شکلها الصوتی أیضا ([6])، حیت یؤدی تضافر الصوت و الدلالة إلى خلق جو إیقاعی و دلالی له القدرة على الانسجام مع الوظیفة التداولیة للخطاب .
وقد تم اعتماد الإطار الإیقاعی هیکلا عاما منظما لمنطلقات البحث ؛ إذ "سمیت القیامة بأسماء متقاربة الصدى فی إطار الفاعل المتمکن و القائم الذی لا یجحد" ([7])،حیث تکرس الصیغ الصوتیة لأسماء القیامة خصوصیة إیحائیــة ، وتکتسب الألفاظ بعض دلالاتها ، فی سیاقها ،من جرس أصواتها .
واقتضت طبیعة البحث أن یستهل بمهاد تأسیسی یتوقف فیه لدى محطات ثلاث وهی :
(1) الترادف فی القرآن الکریم بین الإنکار والإثبات .
(2) السیاق و الدلالة.
(3) لفظ القیامة فی القرآن الکریم.
ثم تنعقد الدراسة التطبیقیة فی قسمین اثنین ، یتوقــف الأول منهمــا لـدى ألفــاظ یـوم القیامــة التــی اتفقـت صیغتهـا الصوتیة وتباینت دلالاتها ، بینما یتوقف الثانی عــند ألفاظ تقاربت دلالاتها واختلفت أصواتها.
([2]) من روائع القرآن ( تأملات علمیة و أدبیة فی کتاب الله ) ، محمد سعید رمضان البوطی : 136، موسسة الرسالة ،بیرت ، 1996م.
([4]) دور الکلمة فی اللغة ، ستیفن أولمان : 19 ، ترجمه و قدم له و علق علیه کمال بشر ، دار غریب للطباعة و النشر ، ط12، القاهرة.
الكلمات الرئيسية
المصادر والمراجع
أولاً : المصادر والمراجع العربیة
ثانیا : المراجع المترجمة
1. الأفکار والسلوک(دراسة فی الفن الروائی ولغته) ، أ. ب .یشترین ، ترجمه حیاة شرارة ، منشورات وزارة الثقافة والفنون ، العراق (د. ت) ، 1987 م.
2. دور الکلمة فی اللغة ، ستیفن أولمان ، ترجمه وقدم له وعلق علیه کمال بشر دار غریب للطبعاعه والنشر ، ط12،القاهرة.
3. فلسفة الجمال ، ترجمة عبد الحمید یونس ، دار الفکر العربی ، بیروت .
4. اللغة ، فندریس ، ترجمه عبد الحمید الدواخلی ومحمد القصاص ، مکتبه الأنجلو المصریة ، القاهرة ، 1950م.
ثالثا : الرسائل الجامعیة والدوریات